test
Search publications, data, projects and authors

Article

Arabic, English

ID: <

oai:doaj.org/article:aad0fdd9d7644bd1be78ee9e588557f9

>

·

DOI: <

10.20428/jss.v18i0.299

>

Where these data come from
قراءة الصورة الكتابية في الشعر العربي قبل الإسلام

Abstract

توطئة: إنّ ذاكرة الشاعر المفتوحة لا تقتصر في مرفودها على بعدها الذاتي الخاص، بل تنفتح على الأبعاد العامة للذاكرة الجمعية، الظاهرة والخفية، كي تختزل تجربتها الإنسانية، ولا شك أنّ مفردة (الكتابة) نقطة اختزال عميقة وعنوان رمزي مكتظ بالدلالات، وليس أدل على ذلك من تلك الصورة الكتابية التي دأب الشاعر العربي قبل الإسلام على رسمها في لوحة الأطلال التي توحي بمعرفة كلية لمفهوم الكتابة مستمدة من مخزون الذاكرة الجمعية المتصلة بمعرفة فعلية للكتابة إنْ لم تكن مع أجيال سابقة عاشت وسط الجزيرة العربية، فإنها متصلة بمعرفة مكتسبة من الامتداد العربي والتواصل المستمر مع التشكلات الحضارية العربية في جنوبيّ شبه الجزيرة العربية وأطرافها الشمالية. تلك الامتدادات التي لها صلتها العريقة بمعرفة الكتابة وممارستها باتساع، إذْ ظل التواصل مستمراً بين العرب من خلال تداخل القبائل المنتشرة في شبه الجزيرة، والهجرات التي لم تنقطع (أفراداً وجماعات) من الجنوب إلى الشمال، فضلاً عن التواصل المرتبط بتجمعات عدة؛ منها ما هو موسمي كالأسواق وما هو دائم كمكة التي أخذت أهميتها من كونها مركزاً تجارياً ودينياً يستقطب العرب من مختلف ربوعهم في كثير من المناسبات المختلفة، الأمر الذي أسهم في تشكيل معارفهم، وهي معارف كونتها معالم وأبعاد حضارية عريقة تتصل في جانبٍ بمعارف العرب وذاكرتهم، وفي جانب آخر في تواصل المجتمعات العربية مع غيرهم من الأمم والشعوب، وهو تواصل إنساني لا يخلو من التأثر والتأثير. ومعروف أن الكتابة هي أبرز المعالم الحضارية لأيِّ مجتمع بشري كونها عماد كل الحضارات، ولم تكن حضارة العرب خارج هذه الحقيقة التي غُيِّبتْ فيما وصل إلينا من التراث الشعري المُنْتَج كله في دائرة القبيلة المتصلة بالصحراء، وليس لها - كما يُقالُ-  من النتاج الحضاري والإبداع الإنساني سوى هذا الشعر. ومع ذلك - وإنْ سلَّمنا بتلك الدائرة المكانية التي حُصِرَ فيها ما وصل إلينا من النتاج الشعري العربي- فإنَّ الصورة الكتابية في هذا الشعر تشير إلى إحساس مُوجَّه بمفهوم الكتابة يتجسد لدى الشاعر عند وقوفه على الأطلال, مما يجعلنا نسألُ: هل ذلك الإحساس الذي تشير إليه هذه الصورة الكتابية مرتبطٌ بموروثٍ معرفيّ قديم متصل بمجتمع كانت الكتابة في حياته معطىً حضارياً مباشراً؟ ومِنْ ثَمَّ يأتي هذا الارتباط في هذه الصورة حالة رثائية لمفقودٍ لم يُمحَ من التكوين التراكمي للذاكرة الجمعية, وهو رثاءٌ يجسد الرغبة الكامنة في استعادة ذلك المفقود للعبور إلى ما هو أفضل، ولاسيما أنَّ القصيدة العربية قبل الإسلام كانت التجسيد الأعمق لثمرة المعرفة والمفاهيم لديهم, فضلا ًعن اكتنازها لحلم العبور الحضاري؟ هذا ما تكشف عنه إشارات الشعراء الواعية في لوحة الأطلال وما تحمله الصورة الكتابية من معارف تتصل بالكتابة ووعيهم بها في بُعديها الحضاري والنفسي، انطلاقاً من استخدام كلمات توحي في سياقها الشعري بتلك المعرفة وتصورهم لمفهوم الكتابة، فتشبيه الأطلال بالكتابة يكاد يكون صفة عامة توصف بها الأطلال لدى الشعراء قبل الإسلام، ولاشك أن ما هو مشترك له مدلولاته المهمة وإنْ بدا في الظاهر تقليداً أُكْتُسِبَ سمعياً. وإذا كانت القصيدة لدى الشعراء قبل الإسلام معادلاً سمعياً / موضوعياً لإدراكهم  فكرة الكتابة ووعيهم بها انطلاقاً من جزئيات الصورة الكتابية التي تشكل في سياقاتها المختلفة تصورهم لمفهومها، فإنَّ الوعي الكتابي مسألة مرتبطة بالإنسان بكونه إنساناً بصرف النظر عن تعلمه الحرفي للكتابة أو عدم تعلمه إياها، فالكتابة صفة لازمة له بالضرورة)1(. ولأنّ الكتابة في أصلها ذات علاقة وطيدة وعميقة بالدين، ومن قبله بالسحر، تصبح للإشارات الكتابية في الشعر العربي قبل الإسلام رمزيتها في التطلع إلى امتلاك  مفهومها بأبعاده المختلفة في إطار فكري تتحول فيه الكتابة إلى سلوك يشارك في صنع ما فُقِد من خلال تطلع حضاري، تَحَقَّقَ في وحي مكتوب (القرآن) اهتم بالكتابة كونها أساساً لتكوين المجتمع الجديد وضابطاً جوهرياً في علاقاته المختلفة، إذْ جاء الفعل (كَتَبَ) ومشتقاته في القرآن الكريم في أكثر من مئة آية حملت دلالات مختلفة (حقيقية ومجازية)، ومن الآيات التي جاء فيه التوجيه القرآني لاستخدام فعل الكتابة بدلالاته الحقيقية وبصيغة الأمر (اكتبوه، وليكتبْ، فليكتبْ)، وصيغة اسم الفاعل (كاتب) المُنَفِّذ لعمل الكتابة، وصيغة المضارع (يكتب) مع التأكيد على أهمية القيام بها لضبط التعامل بين الأفراد في المجتمع الإسلامي وعدم التساهل في أنْ تكون أساساً في حفظ الحقوق، قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة) (البقرة:282) ". وكون الكتابة التي تطمح هذه الدراسة في قراءتها تُشكّلُ جزءاً حيوياً من اللوحة الطللية فإنَّ تبئيير الإضاءة في فعل القراءة سيتجه إلى التضاريس التالية من هذه اللوحة:  ([1] يُنظر: الشعرية والثقافة؛ حسن البنّا عزالدين، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط1؛ 2003م، ص207.

Your Feedback

Please give us your feedback and help us make GoTriple better.
Fill in our satisfaction questionnaire and tell us what you like about GoTriple!